رواية أقدار رواية درامية نفسية اجتماعية واقعية جزء ٢ - أنامل عربية


رواية أقدار - روايات درامية
رواية أقدار

رواية أقدار - حين ترتدي الأحلام لونها الحقيقي

ازدحمت ساحة الجامعة بالأضواء واللافتات التي كُتبت عليها عبارات التهنئة. امتزجت موسيقى الدبكة القادمة من مكبّرات الصوت مع ضحكات الطلاب، في ليلةٍ رطبة تحمل نسيم البحر من جهة الكورنيش القريب. 

كانت الأمهات يتهامسن عن أسعار الفساتين وغلاء القهوة، بينما كان الآباء يتفاخرون بأبنائهم ويشكون في الوقت ذاته من أزمة البنزين وانقطاع الكهرباء.

وقفت فرح بين زميلاتها بثوب التخرّج الأسود، تتأكد من أن قبعتها ثابتة، فيما كانت تلتقط الصور عبر هاتفها. نظرت إلى المنصة الطويلة المُزيّنة بعلم الجامعة والعلم اللبناني، وشعرت بقلبها يخفق بخفة.

اقترب منها طارق الذي كان قد أنهى تقديم مشروع تخرّجه في نفس الجامعة، وهو يحمل كاميرته الصغيرة على كتفه. 

قال مبتسماً:
ـ لقد تألّقتِ اليوم يا فرح. تبدين وكأنكِ خرجتِ من فيلمٍ سينمائي.

أجابته بخجل:

ـ بل أنت من يبدو محترفاً بهذه الكاميرا. هل ستعمل مصوّراً في قناة محلية؟

ضحك وقال:
ـ إن قبلوني… تعلمِين كيف هي الأمور هنا. يحتاج المرء إلى معجزة صغيرة كي يحصل على وظيفة لا يتقاضى فيها الراتب إلا بعد ثلاثة أشهر.

قالتها صديقة فرح، نادين، وهي تقترب منهما حاملة زجاجة ماء:
ـ هذا صحيح! أخي يعمل منذ سنة ولم يحصل على راتب كامل بعد.

ابتسم طارق بمرارة لطيفة تخفي تعب السنوات:
ـ لكن لا بأس… نحن جيلٌ تعوّد على الصمود. على الأقل نحن نحتفل اليوم، وهذا يكفينا.

اقتربت جمانة والدة فرح، وهي تمسح دموعها قبل أن تلتقط صورة لابنتها.
قالت بصوتٍ مكسور بالعاطفة:
ـ لم أكن أتخيّل أني سأراكِ ترتدين زيّ التخرّج يا فرح… مبارك يا ابنتي.

عانقتها فرح، بينما كان والدها يقترب حاملاً علبة حلوى "نمّورة" اشتراها من محلّه المفضّل في الحي.

رواية أقدار للكاتبة زهرة حبيب
تخرج فرح

قال الأب ضاحكاً:
ـ هذه الحلوى أفضل من الكعكة الغالية التي لا طعم لها! ثم إنّ النمّورة لبنانية أصيلة مثلنا.

ضحك الجميع، وسمعوا في الخلفية صوت المنظمين يدعون الخريجين للصعود إلى المنصّة.
تقدّمت فرح مع بقية الطلبة بخطى ثابتة، ورأت بين الحشود طفلة صغيرة تلوّح لها بعلم لبنان.
لم تعرف لماذا، لكن تلك اللحظة جعلتها تستشعر من جديد ذلك الإحساس الغريب الذي يرافقها منذ أسابيع…

إحساس الروح الأخرى التي تقترب منها.

سمع طارق زفيرها القَلِق، فاقترب منها وهمس:
ـ فرح، هل أنتِ بخير، لقد تجمدتِ فجأة؟

قالت بصوتٍ منخفض:
ـ لا تقلق سنتحدث الليلة بخصوص هذا الأمر..

نظر طارق إلى صفوف الخريجين، وإلى الاحتفال الصاخب، ثم قال:
ـ المهم أن تكوني سعيدة هذه اللحظة… حفلة التخرّج لا تأتي مرتين.

ابتسمت فرح رغم حيرتها، وتقدّمت باتجاه المنصّة، بينما كان التصفيق يرتفع، وطبول الدبكة تضرب بإيقاعٍ قوي يتردّد بين مباني الجامعة.

رواية أقدار روايات رائعة
حفلة التخرج


رواية أقدار - تخرجٌ بطعم الأسئلة

تلقّى مشروع فرح الفني إعجاباً واسعاً، فتخرّجت من الجامعة بدرجة امتياز.
وبرغم أن الرسم كان موهبتها الأولى، فإن النحت كان سرّ تفرّدها؛ كانت تلمس الحجر كما لو أنها تحاور روحاً محبوسة فيه.

 لم تكن نجاحاتها وليدة الصدفة، فوالدها أشرف لم يتركها لحظة دون دعم أو توجيه، وكانت دوماً تقول له: " لولاك لما وجدتُ يدي طريقها إلى الفن."

وفي كل عام، كانت تشارك مع طارق في بازار الجامعة الكبير؛ يبيعان لوحاتهما ومنحوتاتهما ويقدّمان ريعها لمرضى السرطان. 

كانا روحاً نشيطة في الحيّ أيضاً، يساعدان السكان في صيانة المبنى وطلاء الممرات كأنهما يضفيان الحياة على كل ما يلمسانه.

ومع تخرّجهما، دعا السيد كمال والد طارق، العائلتين إلى عشاء احتفالي.
فالأسرتان تعيشان في البناية نفسها، وروابطهم ممتدة منذ سنوات. 

كمال يعمل في محلّ مستلزمات صحية، ومنه تعلّم طارق إصلاح الأعطال، وسحر والدة طارق تخبز المعجّنات وتبيعها للمحلات.
وتيا، أخت طارق الصغيرة، تحلم بأن تصبح عازفة بيانو.

حضّرت سحر مائدة عامرة، وساعدتها فرح وجمانة بإشعال تفاصيل الدفء في كل طبق. امتلأت الطاولة بالأطعمة، وانسابت أغاني ماجدة الرومي في الخلفية، بينما كانت تيا تهمس بأن هذه الليلة "تشبه حفلة صغيرة للسعادة".

قالت سحر وهي تملأ الأطباق:
يارب يأتي يوم أراكما فيه تجوبان العالم بلوحاتكم. العالم يستحق أن يرى ما ترسمانه. 

ابتسمت فرح، لكن ابتسامتها لم تكتمل حين ردّ طارق:
 لا أظن أنني سأمتهن الفن. أفكر أن أعمل مع والدي… المصلحة مربحة أكثر.

رفعت فرح رأسها بحدة: 

وماذا عن أحلامك؟ عن حديثنا الليالي كلها عن دافنشي وفان غوخ؟ هل تتخلى عن كل شيء لتصبح … سباكاً؟

ابتسم طارق بحزن خفيف:
ليس الأمر تخلياً يا فرح… لكنه خوف. الناس تكافح لتعيش، فمن سيشتري الفن؟

ساد صمت قصير، كأن شيئاً في قلب فرح انكسر ولم تنطق به. 

ضحك كمال بخفة تخفّف التوتر:
يا ابنتي، ليس كل ما نتمناه نجد طريقه. أنا كنت أحلم أن أكون مهندساً… والآن أعمل في التأسيسات الصحية.
قالت فرح بعفوية: 

  لأنك لم تكمل دراستك يا عمي.

تنفّس كمال بعمق وقال:
وكيف أكملها؟ كنا نعيش حرباً… كان علي أن أعمل لأساعد أمي وإخوتي. كل حلم في تلك الأيام كان يختبىء تحت سرير خوفه.

تدخل أشرف وقد غاص صوته في ذاكرة بعيدة: 

  أيام الدراسة كانت تتوقف بلا إنذار. كنا نحتفل ونحن صغار، ولم نكن نفهم أن كل عطلة إضافية كانت تعني دماً في مكان ما. طفولتنا لم تكن طفولة… كانت فترة انتظار.

ساد الصمت في الغرفة مرة أخرى، فأسرعت جمانة إلى أن تردّ:
الليلة للفرح، لا للحزن. دعونا نترك الماضي حيث هو. دعوا الأولاد يبدؤون طريقهم بلا خوف.

قال الجميع: "إن شاء الله."

لكن داخل فرح…
كان هناك شيء آخر يحدث.

بين ضحكاتهم وقصص الماضي… شعرت فجأة بوخزة غريبة في صدرها، كأن أحداً يناديها من بعيد بصوت لا تعرفه.
توقفت يدها فوق طبقها، وأخفضت رأسها للحظة.
ثم همست لنفسها:
– غريب… شعرت كأنني رأيت وجهاً غامضاً… كنت قد رأيته من قبل.

ولم تعرف أن نرجس، في تلك اللحظة بالذات، كانت تستيقظ من حلمها كل ليلة وهي تلهث…
ترى وجهاً يشبهها… يقترب… ثم يبتعد.

وهكذا…
تكرّست أول إشارة خفيّة لارتباط القدرين.

اقرأ ايضا قصة حين يزهر الصمت قصص قصيرة

رواية أقدار - حين وقفت فرح على حافة مستقبلٍ لا تعرفه

جلس أشرف وكمال بالشرفة يشربان الشاي ويلعبان لعبة الطاولة .

قال أشرف وهو يرمي الزار: لن أهزم هذه المرة!

قال كمال : لم أنت متحمس ؟ سأغلبك مثل كل مرة.!

- كل مرة يا كاذب ! لقد غلبتك الأسبوع الماضي!

- حسنا ، حسنا لا تتعصب أخشى عليك أن تصاب بأزمة قلبية.


شاهد فيديو قبل أن تحكم جرب الشعور


سحر وجمانة كانتا في المطبخ تقومان بغسل الصحون و تيا تنظف المائدة، طارق و فرح كانا يشاهدان التلفاز ويشربان الشاي لاحظ طارق أن فرح شاردة فسألها :

ما بك ؟

أجابت مترددة : لا أعرف يا طارق أشعر بشيء غريب أخاف أن أخبرك به فتضحك عليَ.

- لا، لن أضحك أخبريني.

- تعدني؟

- نعم أعدك.

- أشعر بشيء ينقصني على الدوام ! هناك شيء ناقص في كل ما أقوم به.

- هل هذا لغز؟

- أحس أني نصف شخص.

- ضحك طارق كثيرا وقال : ماذا يعني نصف شخص نصفك العلوي لا يشبه السفلي؟ أم أن نصفك الأيمن لا يشبه نصفك الأيسر من جسمك ؟ قالها وهو ما يزال يضحك مما أغضب فرح كثيرا وقالت له :

- - هل نسيت وعدك لي ؟ لن أخبرك بشيء أبدا.

- قال طارق : لا ، لا أنا أسف لن أضحك مجددا استمري في الحديث إني أسمعكِ.

- أحس أن هناك حياة أخرى روح أخرى قريبة مني وتشعر بي و أشعر بها ! الحقيقة أني لا أجد تفسيراً لحالتي هذه.

-هل تقصدين صديقة أخرى ! لم أفهم؟

- لا ، لا يا إلهي لا أستطيع أن أشرح لك ، فأنا نفسي لا أفهم بالضبط ما الذي يحدث لي.

- هل اخبرتي امكِ واباكِ؟

- لا، أكيد سيضحكون عليَ مثلك!

- اقرئي كتاب عن تلاقي الأرواح قد تجدين فيها الجواب لأسئلتكِ.

- أنتَ ما رأيك؟


رواية أقدار فرح وطارق
فرح وطارق يتحدثان

 سحب كأس الشاي بين يديه وقال بنبرة هادئة، تحمل تعب السنوات وبدأ يتكلم بجدية واضحة:

- أعتقد أن هذه الأمور تحدث كثيرا هذا شيء عادي. ربما لأنكِ ليس عندكِ أخوة في البيت والمشاركة معهم في تفاصيل يومكِ فيُخيل إليكِ وجود شخص مجهول للحديث معه وبما أنه لا يوجد هذا الشخص المجهول مما يزيد عندكِ الشعور بالنقص.

- لكني أتحدث معكَ دائما . فلمَ سأشعر بذلك؟

- هناك أمور ترغب الفتيات بالحديث عنها لفتيات مثلهن وليس لصديق.

- لماذا لا تشعر أنتَ بذلك؟

ثم تابع، كمن يصف نفسه دون أن يشعر:

- أنا لست مثلك لأن حياتي مشغولة جدا لدي الكثير لأفعله دراستي وعملي مع والدي وإحضار طلبات البيت وتوصيل المعجنات التي تحضرها أمي إلى المحلات، ليس لدي الوقت حتى للتفكير.

 لكن أنت لا تذهبين حتى إلى مطبعة والدك إلا نادرا . اشغلي نفسك

عزيزتي وسينتهي هذا كله.

أجابت فرح بحزن متنهدة:

- أنت تعرف والدي فهو يرفض ذهابي إلى المطبعة ويقول أن المطبعة عمل الرجال لا ينبغي لفتاة مثلي التواجد فيه. لا يستطيع أن يفهم أن الرجال والنساء أصبحوا متساوين.

- وهذا سيقودنا إلى مزيد من النقاشات حول المساواة. لنتابع الفيلم أفضل واشربي شايكِ لا بد أنهُ قد برد الآن.


يتبع ...


رأيك يهمنا

أحدث أقدم